اعتقد موظفو شركة الوساطة عبر الإنترنت “تريد ريببلك بنك” (Trade Republic Bank) لسبب وجيه أنهم في أمان وظيفي، حين بدأت أسعار الفائدة المرتفعة تضغط على الشركات الناشئة في الربيع.
ضغط أسعار الفائدة المرتفعة
فيما راحت شركات منافسة تخفض العديد موظفيها، حصدت الشركة التي تتخذ في برلين مقرا لها تمويلا جديدا، ومضت تعلن عن وظائف شاغرة إلى أن أعلن رئيسها في مقطع فيديو مقتضب في 9 يونيو عن تغييرات في مكان العمل ودعا موظفيه الـ700 للتحقق من بريدهم الإلكتروني ليتأكدوا أنهم ليسوا ممن فقدوا وظائفهم. سرّحت الشركة نحو 100 موظف بينهم عاملون جدد لم يدخلوا مكاتبها بعد.
تلقى بعض من فاتتهم مشاهدة مقطع الفيديو الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واكتشف آخرون أنهم فقدوا وظائفهم حين تعذر عليهم دخول بريدهم الإلكتروني لدى الشركة.
في ظلّ التشدد الذي تمارسه البنوك المركزية حول العالم، بدأت الشركات التي نشأت في زمن الائتمان الرخيص والتمويل السهل تكتشف بصعوبة أن تقليص حجمها قد يكون معقداً بقدر تحقيقها النموّ، بالأخص على صعيد تسريح الموظفين.
التعرض للطرد
روى موظفون من حول العالم حكايات مشابهة عن تعرضهم للطرد بطرق محرجة، فيما يسعى المديرون لتخفيف التكاليف.
قالت أنوك أغوسول، الرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات في مجال التوظيف “أنليشد” (Unleashed): “شاهدنا كثيراً من الشركات الناشئة تحاول القيام بعمليات تسريح سريعة جداً.. المشكلة هي أن الأشخاص الذين يغادرون يشعرون وكأنهم قد تعرضوا للرمي، فيما يفقد الباقون الثقة”.
تسريح بكرامة
تستند التفاصيل التي جُمعت حول “تريد ريببليك” إلى مقابلات مع 13 موظفاً سابقاً طلبوا عدم كشف هوياتهم.
رفض ممثل عن الشركة تأكيد عدد الموظفين المسرّحين، واصفاً التغييرات التي أجرتها بـ”إعادة ترتيب لهيكلية الفريق” وقال إنه عُرض على بعض الموظفين مناصب جديدة فيما فقد آخرون وظائفهم.
قالت الاستشارية، أغوسول إن عمليات تسريح الموظفين تنجم عن ممارسات الشركات الناشئة التي تُرقّي أشخاصاً يتمتعون بمهارات تقنية، لكنهم ليسوا مديرين جيدين في جميع الأحوال. فيما كان عمل أغوسول يركز بشكل أساسي في السابق على توسيع الفرق وتطوير طواقم العمل، تلقت في الأشهر الماضية طلبات متزايدة لمساعدة الشركات على تقليص عدد موظفيها.
إلغاء الوظائف
ألغت 467 شركة ناشئة حول العالم أكثر من 37 ألف وظيفة في الربع الثاني من العام، مقارنة مع أقل من 3 آلاف وظيفة في الفترة عينها من العام الماضي، حسب موقع (Layoffs.fyi)، الذي يرصد بيانات تراجع الوظائف في قطاع التقنية.
رغم أن تقليص عدد الموظفين مؤلم دوماً ويتعذر القيام به بطريقة مثالية، ثمّة وسائل قد تساعد على التخفيف من هول الصدمة.
ينصح هيث باك، الرئيس السابق للموارد البشرية في شركة القروض الطلابية “فيوتشر فاينانس” (Future Finance) بالاستناد إلى معايير واضحة وعادلة لتحديد من سيشملهم التسريح.
شدد باك على أهمية الحرص على أن يغادر الموظفون الشركة بكرامة، وسيكون من الذكي توفير تدريب مهني لهم وتمرينهم على مقابلات العمل لمساعدتهم على إيجاد وظائف أخرى.
قال باك في الحالات الأسوأ، توظف الشركات عدداً فائضاً من الموظفين ثمّ تسرّح أفراد طاقمها على عدّة دفعات، ما يعرقل عمل الشركة أكثر ممّا كان ليحصل لو قامت بعملية تسريح واحدة شاملة.
قال: “انتهوا من عملية التسريح، ثمّ انتقلوا للحديث عن نموّكم من أجل مساعدة الموظفين المتبقين على تجاوز ما حصل”.
مصارحة الموظفين
لأسلوب التسريح من العمل أهمية أيضاً. شرح باك ذلك قائلاً: “الأفضل القيام بذلك وجهاً لوجه أو بواسطة الهاتف، ومهم أن تتصرف بإنسانية وتكيف نفسك مع الشخص الذي تخاطبه”.
استخدمت شركة الدفع اللاحق للشراء السويدية “كلارنا” (Klarna) في مايو رسالة فيديو مسجلة مسبقاً لتعلن عزمها تخفيض عدد موظفيها الـ7 آلاف بنسبة 10%.
شاهد الطاقم مقطع الفيديو في اتصال شمل كلّ موظفي الشركة.
بعدها عقدت الشركة اجتماعات مباشرة مع الأشخاص المشمولين بقرار الفصل، وتلي عليهم النصّ القانوني، حسب ثلاثة موظفين سابقين.
طريقة إبلاغ الموظفين
قال ممثل عن الشركة إن اللقاءات الفردية عُقدت بعد 48 ساعة من الإعلان الموسّع، دون أن يدخل في تفاصيل طريقة إبلاغ الموظفين بالخبر.
الأفضل أن تكون الشركة صريحة حيال احتمال تسريح الموظفين حتى لا يشعروا أنهم كانوا مضللين حين تقع الواقعة وكي لا يفقدوا ثقتهم بالإدارة.
كان ماجو كوروفيلا، الرئيس التنفيذي للشركة الناشئة في مجال دفع الأموال “بولت فاينانشل” (Bolt Financial) تطرق لمخاوف الموظفين حيال التسريح الذي يشهده القطاع في اجتماع عام لموظفي الشركة عبر تطبيق “زوم”، وطمأنهم حيال الصحة المالية للشركة، متفاخراً بأنها تملك كثيراً من المال. ثمّ في غضون أسبوعين، سرحت 250 موظفاً، أي ما يوازي ثلث موظفيها.
قال كوروفيلا لاحقاً إن هذه الإجراءات كانت ضرورية، حتى “تتحكم الشركة بمصيرها بنفسها”.
أهمية التوقيت
لا يرتبط الأمر فقط بطريقة الفصل من العمل، بل بمن يُفصل أيضاً.
كانت شركة توصيل الطعام “غوريلاز” (Gorillas) التي حصلت على تمويل جديد بقيمة مليار دولار في أكتوبر بصدد الانتقال إلى مقرّ جديد شاسع في مصنع قديم للجعة في منطقة برينزلوير بيرغ الراقية في برلين. ثمّ أعلنت في مايو عزمها خفض عدد موظفيها إلى النصف، بما يشمل عديداً من أعضاء الفريق المسؤولين عن الانتقال.
لذا طلب الأفراد المتبقون في الفريق من الموظفين الآخرين مساعدتهم بالانتقال، وفقاً لرسائل داخلية.
تقول “غوريلاز” إن التسريح خُطط له “بشكل مدروس ودقيق” وإن المساعدة التي قدمها الموظفون في عملية الانتقال كانت طوعية.
التوقيت مهم أيضاً، وليس فقط على صعيد أنشطة الأعمال.
وجّه الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية الناشئة في مجال التحويلات المالية “زيبز” (Zepz) رسالة إلكترونية إلى طاقم العمل في فبراير ليبلغهم عن إجراءات لخفض النفقات، تشمل تسريح حوالي 50 موظفاً.
أُرسلت تلك الرسالة في يوم جنازة موظف في قسم الموارد البشرية عاش 37 عاماً، حسب موظف سابق طلب عدم كشف اسمه، وقال إن أحد الموظفين قدم استقالته رغم أن الإقالات لم تشمله، معتبراً في رسالة استقالته أن اختيار توقيت الإعلان مثال على سوء الإدارة.
قالت “زيبز” إن تقليص عدد الموظفين كان ضرورة “لخفض تكاليفنا، وجاء في إطار سعينا لتحقيق درجة أعلى من الاستقلالية المالية”، لكنها رفضت التعليق على توقيت الرسالة الإلكترونية.
حلول أخرى
ترى رايتشيل ساف، الاستشارية العليا في معهد “تشارترد” لطواقم العمل والتطوير في لندن أن العنصر الأهم في عمليات التسريح هو إطلاع الموظفين على ما يجري.
أشارت إلى أن المديرين الموكل إليهم نقل الأخبار السيئة بحاجة لدعم حتى يقوموا بمهمتهم بتعاطف وبوضوح.
تقترح ساف أيضاً على الشركات دراسة خيارات أخرى بدل التسريح من العمل، مثل الإجازات من الوظيفة أو تقليص عدد ساعات العمل، ما يتيح لمزيد من الناس الحفاظ على وظائفهم.
قالت: “كلما زاد التواصل كان أفضل.. في بعض الأحيان، يكون هذا القرار صعباً جداً لكنه ضرورياً لأعمال الشركات، والمهم أن يتسم بالتعاطف والإنسانية، وأن يُنذر الأشخاص المعنيون مبكراً قدر الإمكان”