تستهدف أستراليا تعزيز علاقتها مع الهند بهدف تعويض تراجع العلاقات التجارية مع الصين ، وذلك عبر الاعتماد على الطبقة المتوسطة المزدهرة في الهند للمساعدة في رفع الضرر الاقتصادي الذي لحق ببعض صادراتها الرئيسية إثر التأثير المزدوج لكل من كوفيد-19 والقيود الصارمة التي فرضتها الصين، أكبر شريك تجاري للدولة.
وفقاً لمركز بيو للأبحاث، يبلغ عدد سكان الهند من ذوي الدخل المتوسط إلى المرتفع نحو 85 مليون نسمة، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف إجمالي عدد سكان أستراليا. هذه الفئة تشكل هدفاً رئيسياً لقطاعات تتراوح من التعليم إلى المشروبات و السياحة، التي تضررت جميعاً من الوباء والعلاقات المتفاقمة مع الصين.
تراجع العلاقات التجارية مع الصين
يُتوقع تضاعف التجارة الثنائية بين البلدين لما يزيد عن الضعف لتبلغ بذلك نحو 60 مليار دولار أسترالي خلال الخمسة أعوام المقبلة، بعد عقد اتفاق تجاري، يبدأ سريانه في 29 ديسمبر، يهدف إلى خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على عدد من السلع والخدمات كما يمنح اعترافاً أكبر بالمؤهلات المهنية. بالرغم أن هذا ما زال يعادل جزءاً صغيراً من التجارة المتبادلة بين أستراليا والصين البالغ حجمها 280 مليار دولار أسترالي، فإن الهند تعتبر على نطاق واسع قطعة هامة في أحجية التنويع في البلاد.
تؤتي جهود أستراليا ثمارها، تزامناً مع ظهور علامات توضح تأثر علاقاتها مع الصين. قفزت واردات الهند من البضائع الأسترالية بين شهري أبريل وأكتوبر 48% عن العام السابق لتصل إلى 12.3 مليار دولار أميركي. ويتوقع أجاي ساهي، المدير العام لاتحاد منظمات التصدير الهندية، أن تواصل الازدهار أكثر في الأعوام القادمة.
في إشارة للفوائد المحتملة للاتفاقية، أكد ساهي في مقابلة صحفية: “يمكننا أن نشهد قفزة كبيرة في الفحم والنحاس والألمنيوم والكوبالت، كما يُحتمل أيضاً ارتفاع واردات النبيذ”.
في عام 2022، أسست أستراليا، التي يشكل المهاجرون الهنود نحو 3% من سكانها، مركز العلاقات الهندية الأسترالية لتعزيز الحوار السياسي وإدارة برامج المنح الدراسية والزمالات بجانب أمور أخرى. تعد الهند وأستراليا أيضاً جزءاً من برنامج يمتد لعدة أعوام يهدف إلى دعم منافسة الشركات الأسترالية في الهند، كما أنهما ستستضيفان مناقشات قيادية هذا العام، ومن المرجح أن يحضرها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
فيما يلي نستعرض القطاعات الأربعة المرشحة للاستفادة من تقوية العلاقات الأسترالية الهندية:
التعليم
بعد إعادة فتح الحدود الدولية في بداية 2022، واجه قطاع التعليم العالي الأسترالي مهمةً شاقة لإعادة بناء سوق الطلاب الدوليين المربحة. إلا أن تلك المهمة باتت أصعب في ظل إصرار الصين على تطبيق سياسة “صفر كوفيد” حتى وقت قريب، الأمر الذي أفقد طلاب البر الرئيسي القدرة بشكل كبير على العودة إلى الجامعات الأسترالية.
سجلت جامعة سيدني العام الماضي أعلى معدل تسجيل للطلاب الدوليين من خارج الصين على الإطلاق، مدفوعاً بأعداد الطلاب القادمين من الهند، طبقاً لما ذكره مارك سكوت نائب رئيس الجامعة. كان هناك نمو في كافة الكليات والمدارس. يأمل سكوت في زيادة الأعداد بشكل أكبر في عام 2023 بعد رحلة الاستقدام التي قام بها إلى الهند في سبتمبر الماضي.
تم تسجيل 121,868 طالباً هندياً في أستراليا بحلول نهاية أكتوبر، بانخفاض حوالي 13,300 عن عام 2019. في حين ما تزال معدلات التسجيل من الصين بعيدة عمّا كانت عليه قبل الوباء.
تتوقع الجامعات أن تشهد قفزة أخرى في الطلبات القادمة من الهند في ظل اتفاقية التجارة الجديدة، حيث سيُمنح الخريجون الهنود من تخصصات محددة فرصة البقاء في أستراليا لفترة أطول بغرض العمل، مع وعود بالاعتراف المتبادل بالمؤهلات التعليمية.
السياحة
السياحة من القطاعات التي تسعي أستراليا لجذب الطبقة المتوسطة المزدهرة في الهند إليها. ويبدو أن جهود الدولة بدأت تؤتي ثمارها، حيث كشفت البيانات الأخيرة الصادرة في ديسمبر أن الهند كانت ثاني أكبر مصدر لزوار أستراليا بعد نيوزيلندا، لتحل محل الصين في المراكز الخمس الأولى.
في أوائل 2022، نظمت هيئة السياحة الأسترالية رحلات لعدد من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي الهنود لمتابعة بطولة كأس العالم للكريكيت “تي 20” التي ينظمها الاتحاد الدولي للكريكيت في ملبورن في شهر أكتوبر الماضي. كانت هذه الخطوة جزءاً من حملة عالمية أوسع تبلغ قيمتها 125 مليون دولار أسترالي، بحسب متحدث باسم هيئة السياحة.
أحد هؤلاء المؤثرين كان باركا سينغ، الذي حصل مقطع الفيديو الخاص به مع المقدم التلفزيوني وناقد الطعام الأسترالي مات بريستون على 1.3 مليون مشاهدة. وتضمنت مقاطع أخرى من سينغ رحلة بطائرة هليكوبتر في جزيرة روتنيست والغوص في الحاجز المرجاني العظيم بأستراليا ومقاطع “ريلز” قصيرة نشرها على “إنستغرام” لمباراة الهند وباكستان.
مع ذلك، مازال السياح الهنود غير مربحين بالنسبة للشركات الأسترالية مقارنة بالزوار من الصين، نظراً لانخفاض قوتهم الشرائية مقارنة بالصينيين.
يشير خبراء اقتصاديون من مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية إلى أن قطاع السياحة يحتاج تقريباً إلى ضعف عدد الزوار الهنود مقارنة بالصينيين لتحقيق نفس الإيرادات.
المعادن الهامة
كشفت بيانات حكومية أن الهند كانت ثاني أكبر سوق تصدير للفحم الأسترالي في عام 2020-2021. تتجاوز قيمة تجارة الفحم المتبادلة بين أستراليا والهند بشكل كبير الصادرات الأخرى، وماتزال هذه التجارة تواصل النمو.
مع ذلك، لا ينبغي على أستراليا الوثوق في استمرار قوة تجارة الفحم مع الهند، مع تحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري، وفقاً لراغبيندرا جها، الأستاذ الفخري في مدرسة كروفورد للسياسة العامة بالجامعة الوطنية الأسترالية. وقال جها إن “الهند وأستراليا ستجريان فوراً تغييرات كبيرة وغير متوقعة في مزيج الطاقة لديهما”.
في الوقت نفسه، ما تزال هناك فرص هامة في قطاع الموارد. تمتلك أستراليا 21 من أصل 49 نوعاً من المعادن المحددة في استراتيجية المعادن الهامة في الهند، لذلك تجد “تكاملاً مثالياً في جهودهما لإزالة الكربون من اقتصاداتهما”، بحسب ليزا سينغ، الرئيسة التنفيذية للمعهد الأسترالي الهندي ومقره ملبورن ونائبة رئيس المجلس الأسترالي الهندي التابع للحكومة الأسترالية.
مكاسب النبيذ
كانت أستراليا أكبر مصدر للنبيذ إلى الهند خلال الأشهر الـ12 حتى سبتمبر 2022، بواردات بلغت 16.2 مليون دولار أسترالي، بزيادة قدرها 81% عن العام السابق، طبقاً لبيانات حكومية.
تتوقع هيئة التجارة والاستثمار الأسترالية “أوستريد” نمو سوق النبيذ الناشئة 8% سنوياً حتى عام 2024، من مستوى قياسي منخفض، إذ أدى تغيير المواقف تجاه الكحول إلى ارتفاع عدد مستهلكي النبيذ. من هذا المنطلق، ستخفض اتفاقية التجارة بين البلدين الرسوم الجمركية على النبيذ الأسترالي وهو ما سيعطيه دفعة إضافية.
كذلك، توقع وزير التجارة الأسترالي دون فاريل، في بيان، أن يعزز الاتفاق التجاري فرص الوصول إلى القطاعات الأخرى في البلاد، مثل العقاقير ومستحضرات التجميل والعدس ولحوم الضأن والبستنة. بينما ستزدهر بعض القطاعات، يُتوقع ألا تتمكن صناعات أخرى متضررة من مشاكل التجارة مع الصين من الاستفادة من هذا الاتفاق التجاري.
تقول باتريشيا رانالد، من جامعة سيدني، إن الصادرات الزراعية الأسترالية مثل الشعير لن تجد على الأرجح مكاناً لها في الهند، مع وجود عدد كبير من سكان الريف، الذين تعتمد سُبل عيشهم على زراعة الكفاف.