رغم أن القادة العبرانيين بناة الدولة 1948 – من حزب العمل – قد سبق تمرسهم بالعمل السرى.. والعيش الخشن فى الكيبوتسات فقد تحولوا لذلك إلى عسكريين محترفين.. ورجال دولة، بسيان، بالمخالفة تقريباً عن القادمين للسلطة من حزب الليكود لأول مرة فى العام 1977، إذ لم يسبق لهم سوى الانضواء ضمن منظمات إرهابية (الأرجون- ستيرن…) صبغت – لا تزال – سلوكياتهم السياسية المراوغة، كما أخلاقياتهم العسكرية غير الاحترافية، وليرفعوا للتغطية على قصورهم السياسى والعسكرى.. مقولات وأدبيات من أساطير توراتية تجتذب دعم الرأى العام كى تعينهم على الاستمساك بالسلطة، ليس لصالح الدولة بقدر مصالحهم الشخصية (إما فيها أو أخفيها – إن جاز التعبير)، ولتسفر استفزازاتهم الوقحة – عسكرية وسياسية عن تحول التسوية مع مصر 1979 إلى «سلام بارد» فيما تجمدت عن التطور عملية «أوسلو» مع الفلسطينيين 1994، ناهيك عن اغتيال وتغييب اليمين المتطرف لكل من من الموقعين على الاتفاقية، «رابين» 1995، «عرفات» 2004، اتصالاً بانتصاب الحواجز الزجاجية أو الجدران الخرسانية فى مواجهة عملية السلام، ذلك قبل أن تشهد إسرائيل فى 2019 استقطاباً وانقساماً حزبياً ونيابياً أدى إلى حل الكنيست نفسه مرتين خلال عام، فى خطوة غير مسبوقة لتاريخها السياسى، توازت مع الموت «الدماغى» لصفقة القرن.. المخطط لها بين شعبوية الإدارة الأميركية 2017 وغطرسة الإدارة الليكودية الممتدة منذ 2009، خاصة مع عودة الحديث عن «حل الدولتين داخل الكونجرس الأميركى من ناحية، إلى جانب عجز حزب الليكود من ناحية ثانية عن تشكيل الحكومة برئاسته، كمؤشرين فى غاية الأهمية عن ارتباك وتحول سياسى فى البلدين.. مما كان مخططاً له من تصفية القضية المركزية فى الشرق الأوسط لغير صالح العالم العربى.. الذى يبدو على صعيد ثالث وكأنه يتوجه رغم المحن إلى حزم أموره نحو المزيد من الصلابة، سواء بالنسبة لأوضاعه الداخلية أو تحركاته الخارجية التى ربما يعززها حال توافق الدبلوماسية المصرية – الخليجية نحو ثوابت جديدة فى مباشرتهما للأزمات العربية، ذلك فى الوقت الذى تتجه تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية من ناحية أخرى إلى بحث النشاطات الإسرائيلية (المخالفة) فى الضفة الغربية المحتلة.. بما فيها الاستيطان وممارسات القمع.. ما قد يؤدى إلى إدانة إسرائيل فى الساحة القانونية الدولية، الأمر الذى حذر من تبعاته المستشار القضائى للحكومة.. فى خطاب رسمى حال استمرار خطتها لتطبيق ضم غور الأردن وشمالى البحر الميت إلى إسرائيل.
على صعيد متصل بالأزمة السياسية فى إسرائيل، يحل الكنيست نفسه منتصف ليلة 12 ديسمبر 2019، على أن تجرى الانتخابات الثالثة خلال عام فى مارس المقبل، حيث من المتوقع بحسب المراقبين واستطلاعات الرأى ألا تختلف نتائجها تقريباً عما أسفرت عنه سابقتاها فى أبريل وسبتمبر الماضيين، ما يعمق من أزمة الحكم والقيادة لإسرائيل، لا تقل عن أزمة الانتخابات الفلسطينية لمعالجة آثار الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية بحيث يتساوى الجانبان الإسرائيلى والفلسطينى فى عدم وجود شركاء لإدارة المفاوضات بينهما، ذلك فيما يصف عاهل الأردن علاقات بلاده مع إسرائيل بأنها «سيئة»، كما يبدو الأمر مع مصر وكأنها علاقة الحد الأدنى.. المحكومة أحياناً بسلام ليس غير بارد، لأسبابهما، ذلك فى الوقت الذى يدعو وزير الخارجية الأوروبى الجديد إلى إجراء نقاش بشأن إعتراف أوروبى جماعى مشترك بدولة فلسطينية.. للحفاظ على حل الدولتين، باعتباره التسوية الوحيدة لإنهاء الصراع الفلسطينى مع إسرائيل، التى سارعت من جانبها بعدما فوجئت بمبادرة وزير الخارجية الأوروبى للعمل على إحباطها فى مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى.
إلى ما سبق، تتجاور مواقف الغرب – الداعم التاريخى لإسرائيل – ما بين الدبلوماسية الأوروبية والكونجرس الأميركى.. حول «حل الدولتين»، كما يغيب عن العلاقات العربية الإسرائيلية أى بوادر لأساليب إجرائية بشأن التقدم فى عملية التسوية بينهما، فيما تعانى أوضاع إسرائيل الداخلية اضطرابات غير مسبوقة، تضعها لكل هذه الأسباب فى أزمة وجود مزمنة.