أحب‭ ‬‮«‬أبوالحديد‮»‬‭.. ‬ولكن‭!‬

أحب‭ ‬‮«‬أبوالحديد‮»‬‭.. ‬ولكن‭!‬
حازم شريف

حازم شريف

10:32 ص, الأحد, 24 يوليو 05

محمد‭ ‬أبوالحديد، ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬عيناي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وأنا‭ ‬أحبه.

شعور‭ ‬جارف‭ ‬بالتعاطف‭ ‬والألفة‭ ‬معه،‭ ‬كان‭ ‬يسيطر‭ ‬علي،‭ ‬كلما‭ ‬رأيته‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬يومي‭ ‬الخميس‭ ‬والسبت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أسبوع،‭ ‬لمدة‭ ‬تجاوزت‭ ‬العامين.

‬ كنت‭ ‬محرراً‭ ‬ثم‭ ‬صرت‭ ‬رئيسا‭ ‬لقسم‭ ‬البورصة‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬مدير‭ ‬التحرير،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬ظل‭ ‬هو‭ ‬بمحض‭ ‬إرادته‭ ‬عضواً‭ ‬بالديسك‭ ‬المركزي‭ ‬للجريدة.

‬ ولغير‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬الصحافة،‭ ‬فإن‭ ‬الديسك‭ ‬المركزي‭ ‬ببساطة،‭ ‬هو‭ ‬المطبخ‭ ‬الذى‭ ‬تصنع‭ ‬فيه‭ ‬المطبوعة،‭ ‬وتحشد‭ ‬إدارتها‭ ‬فيه‭ ‬عادة‭ ‬أنبه‭ ‬عقولها‭ ‬وأرفع‭ ‬أقلامها‭ ‬شأنا.

‬ كان‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬يمتلك‭ ‬وجها‭ ‬خجولا، ‬خجل‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الفطري‭ ‬النادر،‭ ‬الذي‭ ‬يحتفظ‭ ‬به‭ ‬نفر‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة،‭ ‬لا‭ ‬ذلك‭ ‬الخجل‭ ‬المتصنع‭ ‬للأفاعي‭ ‬استعدادا‭ ‬للغدر‭ ‬والهجوم،‭ ‬ولا‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬تتخذ‭ ‬منه‭ ‬بعض‭ ‬الشرقيات‭ ‬مهنة‭ ‬لإثبات‭ ‬الطهارة.

‬ ابتسامة‭ ‬حزينة‭ ‬لا‭ ‬تفارقه‭ ‬يظللها‭ ‬شعره‭ ‬الأبيض،‭ ‬ليشكلا‭ ‬مع‭ ‬قلمه‭ ‬المحترف،‭ ‬دلائل‭ ‬دامغة‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬كبير،‭ ‬يسبقه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬تتغلب‭ ‬فيه‭ ‬الانكسارات‭ ‬على‭ ‬الانتصارات،‭ ‬والخيانة‭ ‬على‭ ‬الوفاء،‭ ‬والنفاق‭ ‬على‭ ‬الصدق.

‬ وسط‭ ‬أجواء‭ ‬محملة‭ ‬بالنميمة‭ ‬والضغينة‭ ‬والدسائس،‭ ‬تعودت‭ ‬أن‭ ‬ألمح‭ ‬أبوالحديد‭ ‬وحده،‭ ‬منزويا‭ ‬على‭ ‬مقعده‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬الغرفة،‭ ‬يتعاطف‭ ‬معك‭ ‬بنظرة‭ ‬عينيه‭ ‬المبتسمة،‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬إحساسه‭ ‬بصواب‭ ‬موقفك،‭ ‬ويعتب‭ ‬عليك -‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استشعر‭ ‬العكس-، ‬بإشاحتهما‭ ‬بعيدا‭ ‬عنك،‭ ‬ودفنهما‭ ‬في‭ ‬حفنة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الأوراق،‭ ‬المتراصة‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬مكتبه.

‬ حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيادة‭ ‬أجواء‭ ‬السلام‭ ‬والوئام،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب،‭ ‬أن‭ ‬تضبط‭ ‬أبوالحديد‭ ‬يتحدث،‭ ‬وكأنه‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬مأوى،‭ ‬يتحصن‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬زلة‭ ‬لسان،‭ ‬يسيء‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬زميل،‭ ‬أو‭ ‬تدخله‭ ‬دون‭ ‬قصد،‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬له‭ ‬بها،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬اتخذ‭ ‬قرارا‭ ‬مسبقا‭ ‬بعدم‭ ‬الاشتباك.

‬ أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬كنت‭ ‬أرصدها،‭ ‬تجمعه‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬الروائي‭ ‬الموهوب‭ ‬محمد‭ ‬ناجي،‭ ‬الذى‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الجريدة،‭ ‬فهما‭ ‬يتشاركان‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الجيل،‭ ‬وفي‭ ‬الخصال، ‬الأدب‭ ‬الجم‭ ‬والخجل‭ ‬وبقايا‭ ‬نقاء‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب.‭

‬موهبتان‭ ‬عصفت‭ ‬بهما‭ ‬الانكسارات‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬فعقدا‭ ‬العزم‭ ‬ألا‭ ‬يضيعا‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬وهمية،‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬البعض‭ ‬توريطهما،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬بدت‭ ‬مواقفهما‭ ‬غير‭ ‬مثالية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬أو‭ ‬سكوتا‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬لا‭ ‬طاقة‭ ‬لهما‭ ‬ولا‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬فلا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬معركتهما‭ ‬الحقيقية، ‬مشروع‭ ‬أبوالحديد‭ ‬في‭ ‬الصحافة،‭ ‬ومشروع‭ ‬ناجى‭ ‬الأدبي.

ودارت‭ ‬الأيام، ‬فغادرت‭ ‬الجريدة‭ ‬في‭ ‬صخب،‭ ‬وتركها‭ ‬أبوالحديد‭ ‬كعادته‭ ‬في‭ ‬هدوء،‭ ‬ثم‭ ‬مرت‭ ‬السنوات‭ ‬لتحمل‭ ‬لى‭ ‬بشرى‭ ‬رائعة، ‬نبأ‭ ‬انتصار‭ ‬أبوالحديد‭ ‬في‭ ‬معركته‭ ‬الأساسية،‭ ‬وذلك‭ ‬بصدور‭ ‬قرار‭ ‬تعيينه‭ ‬مؤخراً‭ ‬رئيساً‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬دار‭ ‬التحرير.

تابعته‭ ‬عبر‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية،‭ ‬فزادت‭ ‬سعادتي،‭ ‬وأنا‭ ‬أراه‭ ‬يخطو‭ ‬خطوات‭ ‬موفقة‭ ‬تباعا،‭ ‬بدأت‭ ‬بنشره‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصحف‭ ‬الحكومية‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضع‭ ‬المالى‭ ‬للمؤسسة،‭ ‬تلاها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬استهدف‭ ‬بها‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬السلف،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬مغارة‭ ‬على‭ ‬بابا،‭ ‬وإفراغ‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬وسيارات،‭ ‬وتكريسها‭ ‬لخدمة‭ ‬العاملين‭ ‬بالدار،‭ ‬وكذلك‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لكبار‭ ‬صحفييها‭ ‬كالأستاذة‭ ‬محسن‭ ‬محمد،‭ ‬وكامل‭ ‬زهيرى،‭ ‬وصلاح‭ ‬عيسى،‭ ‬وعبدالعال‭ ‬الباقورى،‭ ‬وإعادتهم‭ ‬للكتابة‭ ‬المنتظمة‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أطاح‭ ‬بأقلامهم‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسة‭ ‬سمير‭ ‬رجب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬السابق.

‬ وأقسم‭ ‬إنني‭ ‬تابعت‭ ‬بتأثر‭ ‬شديد،‭ ‬ما‭ ‬نقلته‭ ‬الصحف‭ ‬وتناقله‭ ‬الرواة،‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬أبوالحديد‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الندوات،‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬تعاطفه‭ ‬الشديد‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتردية،‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬إليها‭ ‬حال‭ ‬المحررين‭ ‬الشبان‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬القومية‭ ‬‮«‬الحكومية‮»‬،‭ ‬ومشاعره‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يصيبهم‭ ‬من‭ ‬مذلة،‭ ‬وهم‭ ‬يتوسلون‭ ‬التعيين‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرمضانية -‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أبوالحديد‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه-،‭ ‬وكذلك‭ ‬مطالبته‭ ‬بتفعيل‭ ‬دور‭ ‬النقابة‭ ‬والجمعيات‭ ‬العمومية‭ ‬للصحف‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬مجالس‭ ‬الإدارة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وأن‭ ‬تخضع‭ ‬الصحف‭ ‬القومية‭ ‬لأعمال‭ ‬المراقبة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬عزب‭ ‬وإقطاعيات، ‬إلى‭ ‬آخره.

‬ كل‭ ‬هذا‭ ‬جميل،‭ ‬ويبعث‭ ‬على‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬تولى‭ ‬قيادات‭ ‬محترمة،‭ ‬راغبة‭ ‬فى‭ ‬الإصلاح،‭ ‬لزمام‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬القومية‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬والإفساد.

‬قيادات‭ ‬تشعر‭ ‬بمعاناة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬تعلم‭ ‬الداء،‭ ‬وتستحضر‭ ‬الدواء،‭ ‬قيادات‭ ‬طاهرة‭ ‬اليد‭ ‬و«نظيفة‮»‬،‭ ‬لولا‭ ‬أنني‭ ‬اكتشفت‭ ‬مؤخرا،‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬نظيفة‮»‬‭ ‬ذاتها،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬ذى‭ ‬حدين!.

‬ فقد‭ ‬هالني‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوالحديد،‭ ‬بما‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬عموده‭ ‬المنشور‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي،‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬الأسبوعي‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬مستويي‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون.

على‭ ‬مستوى‭ ‬الشكل،‭ ‬اعترف‭ ‬أن‭ ‬قلقا‭ ‬قد‭ ‬اعتراني،‭ ‬وأنا‭ ‬أتأمل‭ ‬صورة‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوالحديد‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬تصدرت‭ ‬العمود،‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬وبات‭ ‬جلياً، ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬عرفته،‭ ‬تختفي‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬ابتسامة‭ ‬الخجل،‭ ‬ليحل‭ ‬محلها،‭ ‬ما‭ ‬تراءى‭ ‬لي،‭ ‬وكأنها‭ ‬ضحكة‭ ‬المنتصر.!

‬ وزاد‭ ‬من‭ ‬انزعاجي،‭ ‬أن‭ ‬العمود‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬نريدها‭ ‬صحافة‭ ‬نظيفة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ذكرني -‬لا‭ ‬شعورياً- ‬بشعار‭ ‬سيء‭ ‬السمعة‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬آخر،‭ ‬وهو‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬السينما‭ ‬النظيفة‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬رفعه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الموزعين،‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬السينمائي‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬قاموا‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬رخيصة،‭ ‬بفرض‭ ‬أفلام‭ ‬بالغة‭ ‬الرداءة،‭ ‬ربما‭ ‬تفوقها‭ ‬في‭ ‬الجودة‭ ‬و«النظافة‮»‬‭ ‬معا‭ ‬بعض‭ ‬أفلام‭ ‬البورنو.

‬ نحيت‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬جانبا، ‬والتهمت‭ ‬العمود‭ ‬التهاما،‭ ‬متمنيا‭ ‬أن‭ ‬تخيب‭ ‬الخواتيم‭ ‬المقدمات،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬انتقاد‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوالحديد،‭ ‬لما‭ ‬أسماه‭ ‬تجاوز‭ ‬بعض‭ ‬أعداء‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية -‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬هويتهم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة-، ‬لكل‭ ‬التقاليد‭ ‬والأعراف‭ ‬والقيم‭ ‬المهنية،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬طرح‭ ‬الرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬تعديل‭ ‬المادة‭ ‬76‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬مطالبا‭ ‬الجميع‭ ‬بالوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬هؤلاء،‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون -‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره- ‬سرقة‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬منا!.

‬ والحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬مندهش، ‬أي‭ ‬صحافة‭ ‬مصرية‭ ‬هذه،‭ ‬التى‭ ‬سيسرقها‭ ‬البعض‭ ‬منا؟!،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬الصحافة‭ ‬القومية،‭ ‬التي‭ ‬يعلم‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوالحديد‭ ‬جيداً،‭ ‬تردى‭ ‬أحوالها‭ ‬إلى‭ ‬درجة،‭ ‬يتعفف معها‭ ‬أي‭ ‬لص‭ ‬محترف‭ ‬عن‭ ‬سرقتها؟!.

‭ ‬لقد‭ ‬أجهدت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬العدد‭ ‬الأسبوعي -‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬فيه‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوالحديد‭ ‬عموده- ‬من‭ ‬الجلدة‭ ‬للجلدة،‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬فيه‭ ‬أثرا‭ ‬للصحافة‭ ‬النظيفة‭ ‬التى‭ ‬يطالب‭ ‬بها،‭ ‬وأصارحك‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬محمد،‭ ‬إنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأثر،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬طرحتني‭ ‬أرضا‭ ‬نفس‭ ‬آثار‭ ‬الزمر‭ ‬والتطبيل‭ ‬والنفاق‭ ‬البائدة‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬القديم،‭ ‬فقل‭ ‬لى‭ ‬بالله‭ ‬عليك -‬وأرجو‭ ‬ألا‭ ‬تضعني‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬أعداء‭ ‬الديمقراطية-، ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الساذج،‭ ‬الذي‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬الرخيص؟!.

أستاذ‭ ‬محمد،‭ ‬يعلم‭ ‬الله‭ ‬أنني‭ ‬أحبك‭ ‬فعلا،‭ ‬وأقدرك‭ ‬وأحترمك‭ ‬عن‭ ‬قناعة،‭ ‬لا‭ ‬نفاقا،‭ ‬وأعرف‭ ‬جيدا،‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬في‭ ‬وضع،‭ ‬يسمح‭ ‬أو‭ ‬يتيح‭ ‬لي‭ ‬توجيه‭ ‬النصح‭ ‬أو‭ ‬الوعظ‭ ‬لك، ‬ولكن‭ ‬ألا‭ ‬تعلم‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬أبوالحديد،‭ ‬أن‭ ‬تأييدك‭- ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬بالذات-‭ ‬لبيان‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للصحافة، ‬الذى‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوجوه‭ ‬القديمة،‭ ‬التى‭ ‬حولت‭ ‬مؤسساتها‭ ‬إلى‭ ‬عزب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قولك، ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬قومية‭ ‬وحزبية‭ ‬ومستقلة،‭ ‬بميثاق‭ ‬الشرف‭ ‬المهني‭ ‬وقيم‭ ‬المهنة‭ ‬الرفيعة،‭ ‬خلال‭ ‬تغطيتها‭ ‬لانتخابات‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭.. ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لتأييد‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين،‭ ‬الذين‭ ‬اكتسبت‭ ‬حبهم‭ ‬وتقديرهم،‭ ‬لأى‭ ‬إجراءات‭ ‬قد‭ ‬تتخذها‭ ‬الحكومة‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬ضد‭ ‬زملائهم‭ ‬أو‭ ‬الصحف‭ ‬المستقلة‭ ‬التى‭ ‬يعملون‭ ‬بها،‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬خرجوا‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬المهنة‭ ‬الرفيعة‭!.

إن‭ ‬الصحافة‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬محمد‭ ‬كما‭ ‬تعلم،‭ ‬تحكمها‭ ‬تقاليد‭ ‬مهنية‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬محاولة‭ ‬توخى‭ ‬الموضوعية -‬وليس‭ ‬الحياد-،‭ ‬ومنح‭ ‬الفرصة‭ ‬للأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائها،‭ ‬وتحري‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬المنشورة،‭ ‬وبذل‭ ‬الجهد‭ ‬المعرفي‭ ‬اللازم‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة.

‬أما‭ ‬القيم،‭ ‬وتقدير‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬والموقف‭ ‬السياسي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فهي‭ ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬أيضا،‭ ‬مسائل‭ ‬معيارية،‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬محاسبة‭ ‬الناس -‬وليس‭ ‬الصحفيين‭ ‬فقط- ‬على‭ ‬اعتناق‭ ‬حزمة‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬الأخرى.

‬ فاحترس‭ ‬من‭ ‬نفسك‭ ‬أيها‭ ‬الفارس‭ ‬الشجاع،‭ ‬وأعلم‭ ‬أن‭ ‬نظافة‭ ‬اليد،‭ ‬ليست‭ ‬شرطا‭ ‬كافيا‭ ‬لإصلاح‭ ‬الصحافة،‭ ‬وإنما‭ ‬شرط‭ ‬ضروري،‭ ‬وإن‭ ‬إصلاح‭ ‬أحوال‭ ‬الصحفيين‭ ‬في‭ ‬مؤسساتهم،‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬بداية -‬وليس‭ ‬نهاية- ‬لعملية‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يستتبعها،‭ ‬مراحل‭ ‬أخرى،‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬تدريبهم‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القواعد‭ ‬المهنية،‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬الإطاحة‭ ‬بهم،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬حراكهم‭ ‬المهنى‭ ‬داخل‭ ‬صحفهم.

‬ أئذن ‬لي‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬أزعم‭ ‬أن‭ ‬عمودك‭ ‬الأخير،‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬أبناءك‭ ‬الصحفيين‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬في هذا‭ ‬الاتجاه.

واسمح‭ ‬لي ‬بطلب‭ ‬أخير‭.. ‬أرجوك‭ ‬استبدل‭ ‬صورتك‭ ‬الجديدة‭ ‬بالأخرى‭ ‬القديمة.