آية ألمانيا خدمة أوروبا توطيدا لقيادتها

آية ألمانيا خدمة أوروبا توطيدا لقيادتها
شريف عطية

شريف عطية

6:58 ص, الخميس, 30 سبتمبر 21

من المتفق عليه أن يؤثر تراث الماضى لجميع البلدان فى صنع كل من سياساتها الداخلية والخارجية، إلا أن هذه الذكريات التاريخية أكثر تهافتا فى ألمانيا عن أى بلد كبير آخر، ربما أهمها تأثيراً عليها إلى اليوم- ومع إجراء الانتخابات الألمانية الأخيرة- ذلك الماضى عن القرون الوسطى 10 – 13 ميلادية.. حين تولت الإمبراطورية الألمانية آنئذ قيادة أوروبا، قبل أن تمضي بنحو 300 عام حتى القرن 16 وهى دون سلطة مركزية فعالة، وأكثر انقساماً من بعد حدوث الإصلاح البروتستانتى، إلا أن هذا التراجع لم يمنع نشوء مفهوم قومى جديد عن الوطن الألمانى «أرض الوسط»، وصولاً إلى ظهور إمبراطورية «بسمارك» فى النصف الثانى من القرن 19 بالتوازى مع ظهور الشعارات الألمانية «التوسعية» مثل «المجال الحيوى» و«مكان تحت الشمس»، وفى اتخاذها كلا من بريطانيا وفرنسا- كعدوتين- تستعدان لحصار ألمانيا والقضاء عليها، ولتخوض معهما حربين عالميتين فى النصف الأول من القرن العشرين.. انتهتا بهزيمتهما المرة تلو الأخرى وإلى تقسيمهما منذ منتصف الأربعينيات بين دول الحلفاء، ولأربعة عقود تالية، قبل إعادة توحيدها عشية التسعينيات، لم يمنعها ذلك عن محاولة استئناف حلمها كسيدة أوروبية من خلال التقاء كل من «أديناور» و«ديجول» عشية الستينيات.. على دعم الوحدة الأوروبية- بالإقناع السياسي- وليس بالقوة- على غرار ما حاول من سابق كل من «نابليون» و«هتلر» دون جدوى، الأمر الذى أدى ببرلين وباريس إلى قيادة الجهود الأوروبية نحو تحقيق الوحدة السياسية والدستورية لدول الاتحاد الأوروبى منذ التسعينيات، كقوة كبرى تعادل (مع الفارق) الأحادية الأميركية، من بعد تفكك الاتحاد السوفيتى السابق، وبالتوازى مع صعود الصين دون خلفية خصومات عدائية تعوق تعاونهما.. كثانى وثالث أقوى اقتصادات العالم ما قد ينبئ بتطورات غير تقليدية على المستوى الدولى، وربما بالنسبة للشرق الأوسط من حيث اتفاقهما الغامر المؤيد لمصر وللتوجهات الوطنية فى آسيا وأفريقيا بالمقارنة بالقوى الكبرى الأخرى. إلى ذلك السياق، تستقر الذكريات الحية للشعب الألمانى لتنعكس بالضرورة على نتائج الحاضر الانتخابى فى حقبة ما بعد المستشارة «ميركل» التى أسهم منهجها فى تعزيز مكانة السياسة الخارجية داخل القارة، كما لمواجهة التحديات خارجها بما فى ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة (مشروع أنبوب الغاز الروسي- مثالاً)، ناهيك عن نجاح منهجها فى وقاية البلاد من جموح الشعبوية والعنصرية من خلال تغليب تعايش المعتدلين يميناً ويساراً داخل الأحزاب الألمانية الرئيسية سواء من جانب الاشتراكيين أو الاتحاد المسيحى التى تعادلت حصيلتيهما التصويتية فى آخر انتخابات دون فوز حزب على الآخر بتشكيل الحكومة إلا حال توصله إلى ائتلاف مع حزبي «الخضر» و«الليبرالى» اللذين قد يحاولان فرض سياسات خارجية أشد فيما يتعلق بروسيا والصين، كما فيما يتعلق بسياسات داخلية حول الضرائب مثالاً، وما إلى ذلك من أسباب قد تجعل ألمانيا أقل استقراراً فى وقت هى بحاجة إلى حكومة مستقرة تواجه مطالب داخلية ملحة (…) بجانب رعاية ودعم ريادتها الأوروبية، وفى التعامل مع إرهاصات تخلخل حلف الناتو، ما يدعوها إلى التأكيد على ما سبق أن طرحه «أديناور» 1949 بشأن استعادة القوة العسكرية الألمانية كأداة لتوحيد أوروبا.. والدفاع عنها من خلال جيش أوروبى، يعمل الاتحاد الأوروبى حالياً على استكمال توحيده بقيادة كل من فرنسا وألمانيا، وإلى ما غير ذلك من تحديات تتطلب حكومة قادرة على مواجهتها، وعلى غرار معظم السنوت التى حكمت فيها «ميركل» مع الاشتراكيين فقط، ما يجنّب البلاد عدم الاستقرار، فيما لو تشكلت حكومة ائتلافية من أحزاب صغيرة «صناع ملوك» لكنها الأضعف قدرة على التنفيذ مما لو كانت خالصة لأحد الحزبين الرئيسيين، أو كليهما، بحيث يديران ظهريهما لبواعث الغيرة الحزبية والدبلوماسية فيما بينهما من أجل بقاء ألمانيا رهن ذكرياتها التاريخية – كآية- لخدمة أوروبا، توطيداً لقيادتها